إِنَّ الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَمَّا بَعْدُ،
فَإِنَّ أَصْدَقَ الحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلى آلِهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثاتُها، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ.
قالَ " الإِمَامُ القُدْوَةُ، شَيْخُ الحَنَابِلَةِ وَكَبِيرُهُم في عَصْرِهِ، أَبو مُحَمَّدٍ الحَسَنُ بن عَلِيٍّ بن خَلفٍ البَربَهَارِيُّ وَهذِهِ النسبةُ إِلى (بَرْبَهَارْ)، وهيَ الأَدْوِيَةُ التي تُجْلَبُ إِلى الهندِ ": [1]
(( وَاحْذَرْ صِغَارَ المُحْدَثَاتِ مِنَ الأُمُورِ، فَإِنَّ صِغَارَ البِدَعِ تَعُودُ حَتَّى تَصِيرَكِبَارًا، وَكَذلِكَ كُلُّ بِدْعَةٍ أُحْدِثَتْ في هذِهِ الأُمَّةِ كَانَ أَوَّلُها صَغِيرًا يُشْبِهُ الحَقَّ، فَاغْتَرَّ بِذلِكَ مَنْ دَخَلَ فِيْهَا، ثُمَّ لَمْ يَسْتَطِعِ الخُرُوجَ مِنْهَا، فَعَظُمَتْ وَصَارَتْ دِينًا يُدَانُ بِهَا، فَخَالَفَ الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ فَخَرَجَ مِنَ الإِسْلامِ. فَانْظُرْ - رَحِمَكَ اللهُ - كُلَّ مَنْ سَمِعْتَ كَلامَهُ مِنْ أَهْلِ زَمَانِكَ خَاصَّةً فَلا تَعْجَلَنَّ، وَلا تَدْخُلَنَّ فِي شَيْءٍ مِنْهُ حَتَّى تَسْأَلَ وَتَنْظُرَ: هَلْ تَكَلَّمَ فِيْهِ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- أَوْ أَحَدٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ؟ فَإِنْ أَصَبْتَ فِيهِ أَثَرًا عَنْهُمْ فَتَمَسَّكْ بِهِ، وَلا تُجَاوِزْهُ لِشَيْءٍ، وَلا تَخْتَرْ عَلَيْهِ شَيْئًا فَتَسْقُطَ فِي النَّارِ )). اهـ
قال الشيخ العلامة الفقيه صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان حفظه الله تعالى في
"شرح السنة للبربهاري":
" قوله: (وَاحْذَرْ صِغَارَ المُحْدَثَاتِ مِنَ الأُمُورِ) يقول: لا تتساهلْ بشيءٍ منَ البدعةِ ولو كانَ صغيرًا، فإنهُ يكبرُ، ويَنضافُ إليهِ غيرُهُ، وهذا منْ مفاسدِ البدعِ، لأنهُ إذا انفتحَ بابُ البدعِ زادتْ، فلا يُتساهَلُ بها ويقالُ: هذهِ بدعةٌ صغيرةٌ ولا تضرُّ ! البدعةُ مثلُ الجمرةِ ولو كانتْ صغيرةً فهيَ تكبُرُ حتى تُحرِقَ البيتَ أوِ المتجرَ أوِ البلدَ كُلَّهُ: وَمُعْظَمُ النَّارِ مِنْ مَسْتَصْغَرِ الشَّرَرِ.
فلا يُتهاونُ بها، بلْ يُسدُّ بابُ البدعِ نهائياً، وقدْ قالَ الرسولُ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ: { إِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ } ((إياكم)): تحذيرٌ من محدثاتِ البدعِ مُطلقاً، سواءٌ كانتْ محدثاتٍ صغيرةً أو محدثاتٍ كبيرةً لم يَسْتَثْنِ الرسولُ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ شيئاً من البدعِ، فنَهْيُهُ عَامٌّ في جميعِ البدَعِ، وقال: { وشر الأمور محدثاتها }..." اهـ
إلى أن قال حفظه الله:
" لا تستعجلْ فيما تسمعُ من الناسِ وخصوصاً عندَ تأخُّرِ الزمانِ، وكثرةِ منْ يتكلمُ ويُفتي وينتصبُ للعلمِ والقولِ، وخصوصاً لمَاَّ جَدَّتْ وسائلُ الإعلامِ، وصارَ كلٌّ يَهْذُو ويتكلمُ باسْمِ العِلمِ وباسمِ الدِّينِ، حتى أَهلُ الضَّلالِ والفِرقِ الضالَّةِ والمنحرفةِ صاروا يتكلمونَ باسمِ الدِّينِ الآنَ في الفَضائِيَّاتِ، فالخَطرُ عظيمٌ جداً، فعليكَ أيُّها المسلمُ وطالبُ العلمِ بالذاتِ أنْ تَتَثَبَّتَ ولا تستعجِلَ معَ كلِّ ما تسمعُ، عليكَ بالتثبُّتِ، ومعرفةِ منِ الذي قالَ هذا؟ ومِنْ أَينَ جاءَ هذا الفكرُ؟ ثم ما مُسْتَنَدَاتُهُ وأَدِلَّتُهُ من الكتابِ والسنَّةِ؟ ثُمَّ أَين تعلَّمَ صاحِبُهُ؟ وعَمَّنْ أخذَ العِلمَ؟ فهذهِ أُمورٌ تحتاجُ إلى تَثَبُّتٍ خُصوصاً في هذا الزمانِ، فمَا كلُّ قائلٍ حتى ولو كانَ فصيحاً وبليغاً ويُشَقِّقُ الكلامَ ويَأخُذُ بالأسماعِ. لا تغتَرَّ بهِ حتى تَرَى مَدى ما عندهُ منَ العلمِ والفقهِ، فربما يكونُ كلامُهُ قليلاً لكنَّهُ فقيهٌ، وربما يكونُ كلامُهُ كثيراً لكنَّهُ جاهلٌ ليسَ عندَهُ شيءٌ منَ الفقهِ، بل عندَهُ سِحْرُ الكلامِ حتى يَغُرَّ الناسَ، ويتظاهرَ بأنَّهُ عالمٌ، وبأنَّهُ فاهمٌ، وبأنَّهُ مُفكِّرٌ، ونحوِ ذلك، حتى يَغُرَّ الناسَ، ويخرجَ بهمْ عنِ الحقِّ، فليسَ العبرةُ بكثرةِ الكلامِ وشَقْشَقَتِهِ، بلِ العبرةُ بما فيه منَ العلمِ، وما فيهِ منَ التَّأْصيلِ، ورُبَّ كلامٍ قليلٍ مُؤَصَّلٍ يكونُ أَنفَعَ بكثيرٍ منْ كلامٍ مُشَقْشَقٍ لا تُمْسَكُ منهُ فائدةٌ إلا القليلَ، وهذا هوَ الواقعُ في زمانِنا يكثرُ الكلامُ ويقِلُّ العلمُ، يكثرُ القرَّاءُ ويقِل الفقهاءُ، والفِقهُ ليسَ بكثرةِ الكلامِ أوْ كثرةِ القراءةِ أوْ جودةِ الكلامِ، أو حُسنِ التعبيرِ. يقولُ الشاعرُ:
فِي زُخرفِ القَولِ تَزْيِينٌ لِبَاطِلِهِ ** وَالحقُّ قَدْ يَغْتَرِيهِ سُوءُ تَعْبِيرِ
تَقُولُ هذَا مُجَاجُ النَّحْلِ تَمْدَحُهُ ** وَإِنْ تَشَأْ قُلْتَ ذَا قَيْءُ الزَّنَابِيرِ
إنْ شئتَ أنْ تمدحَ العسلَ تقولُ: هذا (مُجَاجُ النَّحْلِ)، وإنْ ذَمَمْتَهُ قُلتَ: هذا (قَيْءٌ)، بدلُ، وبدلُ (النَّحْلِ) تقولُ: (الزَّنَابِيرِ)، فالبليغُ يقلبُ الحقَّ باطلاً، والباطلَ حقَّاً ببلاغَتِهِ، فاحذرْ منْ هذا، ولهذا حَذَّرَ النبيُّ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ منْ فصيحِ اللِّسانِ الذي يَتَخَلَّلُ بِلسانِهِ كمَا تَتَخَلَّلُ البَقَرَةُ بلسانِها، حَذَّر منْ هذا، وقالَ: (( إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ لَسِحْراً )) [2]، يعني يسحر الأسماع. " [3] اهـ
* * * * * * * * *
[1] من ترجمة الإمام البربهاري رحمه الله، كتاب شرح السنة للبربهاي ، للشيخ العلامة صالح الفوزان، طبعة دار ابن حزم - القاهرة -، الطبعة الأولى صفحة 7.
[2] أخرجه البخاري (4851) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه.
[3] من كتاب شرح السنة للبربهاي ، للشيخ العلامة صالح الفوزان، طبعة دار ابن حزم - القاهرة -، الطبعة الأولى، من الصفحات 38، 42,41
__________________
قال الإمام الأوزاعي - رحمه الله تعالى- :
اصبر نفسك على السنة ؛ و قف حيث وقف القوم ؛ و قل بما قالوا ؛ و كف عما كفوا ؛ و اسلك سبيل سلفك الصالح ؛ فإنه يسعك ما وسعهم
وقال ابن عمر - رضي الله عنهما -
كل بدعة ضلالة ؛ و إن رآها الناس حسنة